السبت، 23 أبريل 2011

آية الله قاسم: إن هدم المساجد ومهاجمة الحسينيات والعبث بمحتوياتها عدوان


آية الله قاسم: إن هدم المساجد ومهاجمة الحسينيات والعبث بمحتوياتها عدوانٌ سافر وانتهاكٌ لحرمة الدين، وامعانٌ في الإستخفاف بالمواطنين.

خطبة الجمعة (448) 17 جمادي الأول 1432هـ 22 أبريل 2011م ـ جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز


...رحيل عالمٍ جليل:
لا يحيي الأوطان كالعلم والإيمان، ولا تنضبط حياة الناس وتأمن وتشف وتطهر وتسلم المجتمعات من أشرار جاهليتها إلا في ضوء علم الدين الحق والإيمان به والأخذ بتعاليمه، وفهمه على ما هو عليه من حقيقةٍ صادقة، وهدىً ونور، وخيرٍ وانفتاح، وتطبيق هذا الدين التطبيق الصادق الأمين.

وعلماء الدين الصالحون ودورهم في الهداية والإرشاد والتعليم والتربية والإصلاح ركيزةٌ لابد منها من ركائز المجتمع الصالح.

ولقد كان الأستاذ العلامة الجليل السيد علوي الغريفي من أبرز هؤلاء العلماء في الساحة الخليجية في زمننا الحاضر، ممن خدموا حركة العلم والإيمان والوعي، وأسهموا في بناء المجتمع الصالح، وامضوا حياتهم على هذا الطريق، فجزاه الله خير الجزاء وتغمده برحمته وجعله من أهل جنته ورضوانه.


ما أعز النفس المؤمنة وما أغلاها:
النفس العزيزة هي النفس التي لا يذلها ظرف، ولا يغيرها ظرف.. أما النفس التي تعز بالغنى، وتذل بالفقر، وتقوى بأسباب الخارج وتضعف بفقدها، وتفقد قيمتها عند الخوف، ولا تجدها إلا في ظل الأمن، فليست هي النفس العزيزة في ذاتها، وإنما ما يتراءى لها من عزةٍ في وقت الغنى والأمن والقوة ما هو إلا الشعور المستعار من هذا الظرف أو ذاك المنتهي بانتهائه.

وعزة النفس التي لا تنقلب ذلاً بتحول الظروف، تحتاج إلى منبعٍ دفّاقٍ من داخلها تقوى بعطائه رغم ما يلم بها من الخارج من ظرفٍ عصيب. ولا تجد نفسٌ هذا المنبع من ذاتها ولا تكتسبه إلا بإيمانٍ راسخٍ قويٍ بمصدر العز والقوة، وولي العطاء والمنع، والاطمئنان إليه، وصدق العبودية له، والثقة به، وعمق التوكل عليه. وهذه النفس كما أنها عزيزةٌ وإن قسا عليها الزمن، غاليةٌ كذلك لا تشترى، وليس لها ثمنٌ إلا رضوان الله والجنة.

والذين يجدون هذه النفس، هم الذين تركع وتسجد عقولهم وقلوبهم لله تبارك وتعالى قبل الظهور والجباه، هؤلاء يصنعهم الركوع والسجود أقوياء أعزاء كبارا، أما ركوع البدن وسجوده والعقول غافلة، والقلوب لاهية، والنفوس مستكبرة، فإنه لا يصنع قوةً ولا عزة، ولا يعطي النفس زاداً تصمد به أمام التحديات.

فإذا أراد أحدنا أن يكون القوي العزيز حقاً فليجاهد النفس على الخضوع في داخلها لمصدر القوة والعزة الذي لا مصدر معه لشيءٍ من ذلك على الإطلاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وإن من عاشوا عزة ذات الصدق إنما عاشوا ذلك بعبوديتهم لله وبشعورهم بمعيته لهم، وأولئك لا يمكن أن يُعدلوا بتلك العزة شيءً من عزة الخارج ـ من مالٍ أو جاهٍ أو سلطان ـ وإن عظمة تلك العزة الخارجية في عين نظارها، ولا يمكن أن يستبدلوا عن لذة عزتهم الإيمانية بأي لذةٍ أخرى.

يقول القرآن الكريم عن النبي يوسف عليه السلام { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} وكانت دعوة النسوة إليه للذة المحرمة، ومع تلك اللذة حياة القصور والمال، وكان الحب الشيطاني لزوجة الملك ليوسف عليه السلام سُلماً بيده للتسلق إلى أعلى المناصب الدنيوية لو أراد، إنها دعوةٌ للدنيا ولذائذها وعزها الظاهري ومواقعها الكبيرة، لكن عزة الطاعة لله الذي كان يغنى به يوسف عليه السلام وذل المعصية الذي كان يحذره يجعله يفر مما عُرض عليه من لذة الدنيا وعزها ومغرياتها، ويقدم ضيق السجن وطول المحنة على تلك العروض، ويجد فيه لذته في ظل إيمانه بالله واتصاله برحمته، وجعله يلجأ إلى الله من الركون للمغريات والعز واللذائذ الذي تفصله عن ربه، وتحرمه ذكره، وتفقده الشعور برضاه، وتدخله في سخطه.

والنفس الواعية لا يمكن أن تشعر بعزٍ ولا لذة وهي محل سخط الله العظيم.

يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في مناجاة التائبين {إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجللني التباعد منك لباس مسكنتي} وانظر كيف يكون المسكين عزيزا، وكيف لا يكون مسكينا من تباعد عن الله وهو مالك كل شيءٍ وكل شيءٍ بيده؟!

إن من عز نفس المؤمن بإيمانه بالله وطاعته له، أنه يقدم الفقر والخوف والمرض في طاعة ربه على الغنى والأمن والصحة وعلى كل كبيرٍ في نظر أهل الدنيا في معصيته، ولا يصعب على ذلك على من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان الحق والطاعة الصدق، فهنيئاً لتلك المستويات.


الساحة المحلية:
هناك سفك دمٍ حرامٍ بغزارة وفي غير مواجهة، هناك هدمٌ لبيوت الله وأماكن العبادة، هناك تمزيق كتابٍ لله وبعثرةٌ وتحريق، هناك فتح سجونٍ لربات البيوت ومربيات الجيل ومختصاتٍ من طبيباتٍ ومدرسات، أي حرماتٍ هذه التي تنتهك؟ وأي مقدساتٍ هذه التي تهان؟ وإلى أين وصل الاستخفاف بالدين والإنسان والأعراف الكريمة والمواضعات الحميدة؟

هذه صناعةٌ لتاريخٍ مخجل، ولصفحةٍ سوداء كالحةٍ من تاريخ هذا البلد، لا تصنع إلا في غياب أمورٍ بالغة الضرورة، منها النظرة البعيدة والاحترام للدين والإنسان ومواضعات المجتمع الإنساني.

كل مبررات هذه الفظائع ساقطةٌ أمام كلمة الدين، والعقل، والحكمة، وضمير الإنسان، وما تعارف عليه العالم من حقوق. لو كان البلد مغزوّاً من الخارج لما صح أن يحدث كل هذا، فكيف يحدث على يد حكومة البلد نفسه؟

إن هدم المساجد ومهاجمة الحسينيات والعبث بمحتوياتها عدوانٌ سافر وانتهاكٌ لحرمة الدين، وإمعانٌ في الاستخفاف بالمواطنين.
وكل المسلمين يعرفون ما للمسجد والقرآن الكريم من حرمةٍ لا تمس، وأين نحن اليوم من رعاية هذه الحرمة؟

والمسجد وقفيته مؤبدة، وهدمه لا يلغي الوصف لهذه الأرض الموقوفة، وكل نقلٍ لها باطلٌ شرعا، ومسئولية إعادة البناء ثابتةٌ على من هدمه.

نحن أمام صناعة تاريخية فاسدة، وستكون شيءً محرجاً لتاريخ هذا البلد، وعلى كل الجهات المسئولة أن تنقذ شرف إنسان هذا البلد، وتاريخ هذا البلد، وسمعة هذا البلد، وسمعة كل شيءٍ فيه بالإقلاع السريع عن التمادي في مثل هذه الصناعة.


[1] سورة يوسف - سورة 12 - آية 33.
مشاهدة المزيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق